قيمة التسامح تعتبر من القيم المهمة جداً في حياة الإنسان كما أنها تلعب دوراً مهماً في رقي المجتمعات ويمكن من خلالها قياس درجة تحضر مجتمع معين، لكن التسامح الحقيقي هو التسامح المرتبط بالقدرة على تحقيق العدل والتمسك بالحقوق، وحتى تتمكن الأم من غرس قيمة التسامح في قلب الطفل لابد أن تتخذ مجموعة من الخطوات طويلة الأمد التي يمكن أن تجعل الطفل يكتسب هذه الفضيلة المهمة منذ نعومة أظفاره.
لا يمكن إقناع الطفل بأن يكون متسامحاً مع الأطفال الآخرين أو مع إخوته وزملائه في المدرسة إذا لم يكن يرى الوالدين يمارسان هذا التسامح المتبادل في علاقتهما اليومية داخل المنزل، فإذا كان الطفل يجد أن الاستياء المتبادل هو السمة الأساسية للحياة في البيت وإذا وجد أن الأب يعبر على الدوام عن غضبه وحنقه من ممارسات الأم وتصرفاتها وفي الوقت نفسه لا تتوقف الأم عن الشكوى والإعتراض والتذكر من تصرفات الأب فإن الطفل في هذه الحالة سينمو قلبه وهو كاره لكل المحيطين به وغير قادر على مسامحتهم حتى وإن لم يقع أي خطأ في حقه.
الطفل القادر على التسامح مع الآخرين هو الطفل الذي يتمتع بفكرة أن والديه يستطيعان مسامحته وهذا لا يعني بالضرورة التساهل في تربيته أو تدليله بصورة زائدة عن الحد، بل إن العكس هو الصحيح فإن جدية الأب والأم في التعامل مع أخطاء الطفل والوقوف عندها بشكل واضح ومحدد هو الذي يعطي قيمة حقيقية لقيامهما بمسامحته عما ارتكب من أخطاء، وعندما تسامحين كأم طفلك على الخطأ الذي وقع فيه فإنك تحرصين على توضيح قيمة التسامح له وأنها نابعة من الإحساس بالمسؤولية والتأكد من جدية الطرف الآخر.
حتى يتسامح طفلك مع المحيطين به لابد أن تعلميه كيف يبحث عن الجمال والخير في الحياة من حوله، فإذا كنت تربين طفلك على أن المجتمع المحيط مليء بالغش والكذب والحقد وإذا كنت تخبرين طفلك بأن المجتمع الخارجي هو مجتمع يضم مجموعة من الجهلة المغفلين فإن الطفل سينشأ وهو غير قادر على مسامحة المجتمع وسيكون في حالة عزلة شعورية تجعله يتمنى لحظة الإنتقام والإعتداء على المجتمع الخارجي وهذا يتناقض مع قيمة التسامح والطيبة.
حاولي أن تتبعي مع طفلك مبدأ الثواب والعقاب فيما يتعلق بالمسامحة فإذا صدر عنه موقف يبدو منه أنه قد تسامح وعفا وغفر لمن أخطأ في حقه فلابد أن تسارعي بتقدير طفلك والترحيب بهذا السلوك منه وتضمني له إعطائه حقه بالكامل، وعلى الجانب المقابل إذا وجدتيه في موقف آخر يرفض أن يسامح ويتصبث بحالة الإنتقام والرغبة في رد السيئة بالسيئة فحاولي أن تظهري درجة من الإحباط والصدمة لأن هذا سيجعله ولو بصورة لا شعورية يعيد حساباته ويبحث عن سر عدم رضاك عنه كأم.
التسامح قرين الحب، فلا يمكنك أن تطالب طفلك بأن يتسامح مع المحيطين به بدون أن تفيضي عليه بالحب والعاطفة ومن هنا تتبين أهمية أن تعاملي طفلك على الدوام بفائض كبير من مشاعر الحب والعاطفة والحنان، وعندما يشعر طفلك بأهمية الحب المتدفق المستمر في حياته سيجد نفسه متسامحاً مع الكون من حوله رغبة منه في إستمرار حالة الأمان المبنية على الحب في قلبه.
المصدر: موقع رسالة المراة.